أكد خبراء علم النفس والتربية أن الخوف من المدرسة مشكلة تواجه الأسر المختلفة مع بدء العام الدراسي، ويأخذ أشكالاً مختلفة طبيعية ومرضية حسب طبيعة العلاقة بين الطفل والأم والبيئة المحيطة، وأنه كلما اتسعت دائرة معارفه بالإضافة إلى الأم كان ذلك بمثابة حماية للطفل من الخوف والاضطراب النفسي أثناء دخول المدرسة، وينصحون المسئولين بأن يقيموا مِهرجانات احتفال ببدء العام الدراسي؛ لتحبيب الأطفال فيها، كما ينصحون أولياء الأمور باصطحاب أبنائهم إلى المدرسة والبقاء معهم أول يوم من أجل مساعدتهم على التواصل مع المدرسة.
أنواع الخوف:
الخوف من المدرسة نوعان: أحدهما طبيعي، والآخر مرضي. هذا ما أكده في البداية الدكتور سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية وعميد كلية التربية النوعية بجامعة عين شمس، مؤكدًا أن الخوف العادي السوي هو بسبب النقلة التي تعرض لها الطفل فجأة من بيئة اجتماعية، وهي البيت إلى بيئة جديدة وهي المدرسة ، خاصة نع تغيير المدرسة لتغير محل الإقامة أو اللإنتقال لمرحلة دراسية جديدة، لا يجد فيها عناية مركزة مثل البيت، ويرى زملاء جدد وهو خوف عادي يمكن أن يزول مع الوقت ويتأقلم معه ويتفاعل مع بعض الأنشطة الموجودة بالمدرسة ويصبح الطفل محب للمدرسة.
ويوضح أن الخوف المرضي غير الطبيعي ينتج عن ارتباط الطفل بالبيت بصورة مبالغ فيها نتيجة تعلقه بالأم أو تدليلها الشديد له، وبالتالي تظهر رغبته في عدم الانفصال عنها ورفضه الذهاب إلى المدرسة، ونتيجة الضغط وإصرار الأسرة على استقلاله تضطرب نفسية الطفل.
ويرى د. صبحي أن حل هذه المشكلة في الثقافة والوعي التربوي بالسمات العامة لكل مرحلة، فضلاً عن التدرج في انفصال الطفل عن أسرته والقيام برحلات استكشافية لمدرسة الغد، والتعرف على مبانيها وأسوارها وبعض مدرسيها قبل بداية العام الدراسي، وبهذا الاحتضان والتشجيع من جانب الأسرة يتغلب الطفل على ما يواجهه من مشاكل.
أما بالنسبة للخوف الطبيعي فهو شيء فسيولوجي يحدث نتيجة الذهاب لمكان جديد ومجتمع أوسع من مجتمع الأسرة دون تهيئة، وهذا يحدث للكبار أيضًا إذا أقبلوا على عمل جديد.
وإذا كان بعض الأطفال يخافون من الذهاب إلى المدرسة فإن هناك فئة أخرى ترفض الذهاب تمامًا إليها ربما بسبب قسوة بعض المدرسين أو للواجبات الكثيرة أو عدم الاهتمام بمشاعر الطفل، والتعامل معه بصورة لا آدمية، والأخطر، ما نلاحظه من اختفاء أبوة المدرس التي تفشت بسبب عدم إعداد المعلم تربويًّا.
أمي ..أمي:
بينما ترى الدكتورة سناء أحمد أستاذة الصحة النفسية بجامعة القاهرة أن الطفل الذي يدخل المدرسة لأول مرة قد يسبب له ذلك أزمة نفسية، خاصة الأطفال المرتبطين بأمهاتهم بصورة قوية للغاية تصل إلى حد الحالة المرضية، وتشجع للأسف الأم طفلها على هذا الارتباط بدلاً من أن تساعده على توسيع المجتمع الذي يعيش فيه تدريجيًّا، باعتبار أن الأم هي بيئة الطفل الوحيدة خلال أول عامين، ثم بعد ذلك تتسع دائرة بيئته لتشمل والده ثم أعمامه وجدته وأقاربه من الأطفال المماثلين له في العمر، ويقع على عاتق الأم هذه المهمة حتى تمهد لطفلها الانتقال إلى روضة أطفال وحضانة، ثم بعد ذلك المدرسة، وحتى لا يرتبط الطفل بها بعلاقة وطيدة يصعب كسرها في بداية الالتحاق بالمدرسة.
وغالبًا ما يُصاب هؤلاء الأطفال نتيجة الارتباط بالأم بارتفاع في درجة الحرارة وزيادة في ضربات القلب، ويُصاب بمغص وقيء وتبول لا إرادي، والسبب نفسي وليس عضويًّا، مما يسبب إرهاقًا للوالدين عندما يعرض على طبيب عضوي ولا يجد عنده شيئًا، وهنا يبرز دور الأم التي لم تعمل حسابًا لهذا اليوم، ولكي تتفادى هذه المشكلة تذهب معه أول يوم إلى المدرسة، وثاني يوم تقضي معه نصفه، وهكذا بالتدريج حتى ينفصل عنها تدريجيًّا، ثم تختار له مدرسة عطوفة متفهمة تحل محلها بالنسبة للطفل كنوع من العلاج الذي غالبًا ما يعاني منه الطفل الأول، والمدلل، والمرتبط بالأم بصورة شديدة خاصة في حالة سفر الأب أو انشغاله التام عنهم.
وهناك أوقات قد يرفض الطفل فيها الذهاب إلى المدرسة عندما يقترب موعدها؛ لأن المناهج كانت صعبة وفترة المدرسة فترة حبس لحرية الطفل وشقاء وضرب من المدرسين في نفس الوقت، وزعيق (وشخيط) وشد أعصاب وامتحانات… إلخ. وهؤلاء الأطفال من هذه العينة التي تكره المدرسة ولا ترغب في الذهاب إليها تأتي لها أعراض نفسية جسمية أو جسمية، علاوة على فزع أثناء النوم وكوابيس.
وتقول د. سناء: إن الحل لمواجهة هذه المشكلة أن نحاول تغيير الصورة السلبية العالقة بذهن الطفل عن المدرسة خلال العام المنصرم، وإقناعه بأن المدرسة ستكون هذا العام أحسن من العام السابق، ولا بد أن تقوي الأم علاقتها بالمدرسة والبحث عن مُدرِّسة حنونة غير عنيفة تحتضن الطفل في هذه الحالة؛ لأن هناك أطفالاً حساسين للغاية، ويهدفون إلى الكمال خاصة بين الأولاد عنها بين البنات؛ حيث يحرص الولد على الحصول على الدرجات النهائية، ويخاف ضياع درجات منه فيصاب بالقلق النفسي، هذا فضلاً عن أن الطفل الذي قد حدث له شيء مشين في المدرسة كاعتداء جنسي أو أهين أمام أصحابه أو ما شابه ذلك، فإنه يظهر عليه أعراض "نفسية/ جسمية" مع حلول موعد المدرسة، وهنا على الأم أن تذهب به إلى الأخصائي الاجتماعي بالمدرسة، ثم تعرضه على طبيب نفسي لعلاجه من الإصابة بانعدام الثقة، نتيجة لما تعرض له في المدرسة حتى إذا لزم الأمر يتم نقله من المدرسة.
عقاب للأهل؟
وتضيف: إنه من أسباب عدم الذهاب إلى المدرسة قد يكون معاندة الطفل للأب والأم؛ فيصر على عدم الذهاب إلى المدرسة ظنًّا منه بأنهم المستفيدون من ذهابه إليها، وفي هذه الحالة نبحث عن السبب داخل منزل الطفل ويمكن أن يكون خلافات بين الأب والأم أو زواج الأب وهجر الأم. ويكون سلوك الطفل في هذه الحالة نوع من العدوانية ضد أبيه أو ضد الأم عندما تنشغل عنه وتهمله، كما أنه من الأسباب أيضًا أن الطفل قدراته ضعيفة، وهو في مدرسة عادية، وهو لا يستطيع أن يُحصِّل وتعرض للإحراج والإهانة من المدرس أمام الفصل وضحك عليه زملاؤه؛ فهنا يقرر عدم الذهاب مطلقًا مرة أخرى، موضحة أن هذه الحالة لا بد أن يتم فيها إجراء اختبارات ذكاء تناسب قدراته؛ حيث هناك مدارس متعددة في دول الخليج وبعض الدول العربية لمن يعانون من نقص في الذكاء عن المتوسط أو يعانون من تشتت الأفكار وعدم الانتباه أو المشاكل الأسرية، كل ذلك لو لم يتم التغلب عليه من الممكن أن يجعل الطفل عدوانيًّا تجاه الآخرين؛ لأنه يشعر بأنهم أحسن منه وتتولد لديه انعدام الثقة.
الهروب:
وتشير الخبيرة التربوية إلى ظاهرة هروب الطفل من المدرسة، معللة ذلك بأنه نوع من الانحراف في السلوك نتيجة التعرف على شلة فاسدة، أو نتيجة ضعف الإمكانات الذهنية له، أو عدم القدرة على التركيز وعدم ملائمة النظام التعليمي له، أو الطفل في حد ذاته منحرف سلوكيًّا، وبيئته تساعده على ذلك؛ فيتجه نحو إدمان والمخدرات والإجرام، فضلاً عن أنه من السهل أن يكذب ويسرق ويوقع بين أفراد أسرته بنقل الكلام.
ويرى عبد التواب يوسف أديب الأطفال ومستشار الطفولة بالمجلس الأعلى للطفولة بالقاهرة أنه يجب أن تخطط الأسرة الواعية لتدريب الطفل على البعد عن المنزل لبعض ساعات في اليوم في دور الحضانة تمهيدًا لدخوله المدرسة، وذلك لإتاحة الفرصة له للتعامل مع الآخر؛ لأنه أمر غاية في الأهمية كما تحكيه لنا رواية روبنسن كروز التي تحاكي قصة حي بن يقظان.
ويضيف: إن واجب المدرسة لإزالة الرهبة من الأطفال الجدد والقدامى من بداية العام الدراسي الجديد لا بد أن يكون من خلال حفل استقبال لطيف يحبب المدرسة إلى نفوس الأطفال في أيامه الأولى، كما يحدث في أوروبا وأمريكا بأنهم يقيمون الاحتفالات والكرنفالات الضخمة في الشوارع المحيطة بالمدارس، يسير بها الأطفال ابتهاجًا بالعام الجديد؛ حيث يقضي أولياء الأمور جزءاً كبيرًا من اليوم الأول مع أطفالهم في هذه الاحتفالات بالمدارس، كما يجب على هيئة التدريس في مدارس الأطفال الابتدائية أن يكون لديهم مهارة التعامل مع الأطفال، وتحبيب المدرسة إليهم في الأيام الأولى على وجه الخصوص، وتدربهم على التعاون مع الآخرين واللعب معهم، وخلق صداقات جديدة؛ حيث يقول كتاب لليونسكو: "إن أُمًّا صَاحَبت طفلها إلى المدرسة في أول يوم، ووجدته مستغرقًا في التفكير؛ فسألته: فِيمَ تفكر؟ فأجاب: أفكر كيف أكون صديقًا لزملائي الأطفال، سألته: وهل وجدت الطريقة؟ أجاب: نعم، أتلفت حولي، فإذا وجدت زميلاً في حاجة للمساعدة بادرت بمساعدته، وبذلك نصبح أصدقاء" وهكذا هذا التدريب يزيل الخوف من نفوس الأطفال تجاه مدارسهم ويحببها إليهم